فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)}.
حُكي كلام صاحبه بفعل القول بدون عطف للدلالة على أنه واقع موقع المحاورة والمجاوبة، كما قدمناه غير مرة.
والاستفهام في قوله: {أكفرت بالذي خلقك} مستعمل في التعجب والإنكار، وليس على حقيقته، لأن الصاحب كان يعلم أن صاحبه مشرك بدليل قوله له: {ولا أشرك بربي أحدًا}.
فالمراد بالكفر هنا الإشراك الذي من جملة معتقداته إنكار البعث، ولذلك عُرّف بطريق الموصولية لأن مضمون الصلة من شأنه أن يصرف من يدركه عن الإشراك به، فإنهم يعترفون بأن الله هو الذي خلق الناس فما كان غير الله مستحقًا للعبادة.
ثم إن العلم بالخلق الأول من شأنه أن يصرف الإنسان عن إنكار الخلق الثاني، كما قال تعالى: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد} [ق: 15]، وقال: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27]، فكان مضمون الصلة تعريضًا بجهل المخاطب.
وقوله: {من تراب} إشارة إلى الأجزاء التي تتكون منها النطفة وهي أجزاء الأغذية المستخلصة من تراب الأرض، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض} [يس: 36].
والنطفة: ماء الرجل، مشتقة من النطف وهو السيلان.
و{سواك} عدل خلقك، أي جعله متناسبًا في الشكل والعمل.
و{من} في قوله: {من تراب ثم من نطفة} ابتدائية، وقوله: {لكنا هو الله ربي} كتب في المصحف بألف بعد النون.
واتفق القراء العشرة على إثبات الألف في النطق في حال الوقف، وأما في حال الوصل فقرأه الجمهور بدون نطق بالألف، وقرأه ابن عامر وأبو جعفر ورويس عن يعقوب بإثبات النطق بالألف في حال الوصل، ورسمُ المصحف يسمح بكلتا الروايتين.
ولفظ {لكنا} مركب من لكنْ بسكون النون الذي هو حرف استدراك، ومن ضمير المتكلم أنا.
وأصله: لكن أنا، فحذفت الهمزة تخفيفًا كما قال الزجاج، أي على غير قياس لا لعلة تصريفية، ولذلك لم يكن للهمزة حكم الثابت فلم تمنع من الإدغام الذي يمنع منه ما هو محذوف لعلة بناءً على أن المحذوف لعلةٍ بمنزلة الثابت، ونقلت حركتها إلى نون لكنْ الساكنة دليلًا على المحذوف فالتقى نونان متحركتان فلزم إدغامهما فصار {لكنا}.
ولا يجوز أن تكون لكِنّ المشددة النون المفتوحتها أشبعت فتحتها، لأن لكن المشددة من أخوات إنّ تقتضي أن يكون الاسم بعدها منصوبًا وليس هنا ما هو ضمير نصب، ولا يجوز اعتبار ضمير أنا ضمير نصب اسم لكنّ لأن ضمير المتكلم المنصوب يجب أن يكون بياء المتكلم، ولا اعتبارهُ ضميرَ المتكلم المشارك لمنافاته لإفراد ضمائره بعده في قوله: {هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدًا}.
فأنا مبتدأ، وجملة {هو الله ربي} ضمير شأن وخبرُه، وهي خبر أنا، أي شأني هو الله ربي.
والخبر في قوله: {هو الله ربي} مستعمل في الإقرار، أي أعترف بأنه ربي خلافًا لك.
وموقع الاستدراك مضادةُ ما بعد لكن لما قبلها، ولاسيما إذا كان الرجلان أخوين أو خليلين كما قيل فإنه قد يتوهم أن اعتقادهما سواء.
وأكد إثبات اعترافه بالخالق الواحد بمؤكدات أربعة، وهي: الجملتان الاسميتان، وضمير الشأن في قوله: {لكنا هو الله ربي}، وتعريف المسند والمسند إليه في قوله: {الله ربي} المفيد قصر صفة ربوبية الله على نفس المتكلم قصرًا إضافيًا بالنسبة لمخاطبه، أي دونك إذ تعبد آلهة غير الله، وما القصر إلا توكيد مضاعف، ثم بالتوكيد اللفظي للجملة بقوله: {ولا أشرك بربي أحدًا}.
وعطف جملة {ولولا إذ دخلت} على جملة {أكفرت} عطف إنكار على إنكار.
و{لولا} للتوبيخ، كشأنها إذا دخلت على الفعل الماضي، نحو {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور: 13]، أي كان الشأن أن تقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. عوض قولك: {ما أظن أن تبيد هذه أبدًا وما أظن الساعة قائمة} [الكهف: 36].
والمعنى: أكفرت بالله وكفرت نعمته.
و{ما} من قوله: {ما شاء الله} أحسن ما قالوا فيها إنها موصولة، وهي خبر عن مبتدأ محذوف يدل عليه ملابسة حال دخول الجنة، أي هذه الجنة مَا شاء الله، أي الأمر الذي شاء الله إعطاءه إياي.
وأحسن منه عندي: أن تكون {ما} نكرة موصوفة.
والتقدير: هذه شيء شاء الله، أي لي.
وجملة {لا قوة إلا بالله} تعليل لكون تلك الجنة من مشيئة الله، أي لا قوة لي على إنشائها، أو لا قوة لمن أنشأها إلا بالله، فإن القوى كلها موهبة من الله تعالى لا تؤثر إلا بإعانته بسلامة الأسباب والآلات المفكرة والصانعة.
فما في جملة {لا قوة إلا بالله} من العُموم جعلها كالعلة والدليللِ لكون تلك الجنة جزئيًا من جزئيات منشئات القوى البشرية الموهوبة للناس بفضل الله.
{إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} {لله فعسى رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السماء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}.
جملة ابتدائية رَجع بها إلى مجاوبة صاحبه عن قوله: {أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا} [الكهف: 34]، وعظه فيها بأنه لا يدري أن تصير كثرة ماله إلى قلة أو إلى اضمحلال، وأن يصير القليلُ مالُه ذا مال كثير.
وحذفت ياء المتكلم بعد نون الوقاية تخفيفًا وهو كثير.
و{أنا} ضمير فصل، فلذلك كان {أقل} منصوبًا على أنه مفعول ثانٍ لـ: {ترن} ولا اعتداد بالضمير.
وعسى للرجاء، وهو طلب الأمر القريب الحصول.
ولعله أراد به الدعاء لنفسه وعلى صاحبه.
والحسبان: مصدر حسب كالغفران.
وهو هنا صفة لموصوف محذوف، أي هلاكًا حسبانًا، أي مقدرًا من الله، كقوله تعالى: {عطاء حسابًا} [النبأ: 36].
وقيل: الحسبان اسم جمع لسهام قصار يرمى بها في طلق واحد وليس له مفرد.
وقيل: اسم جمع حُسبانة وهي الصاعقة.
وقيل: اسم للجراد.
والمعاني الأربعة صالحة هنا، والسماء: الجو المرتفع فوق الأرض.
والصعيد: وجه الأرض.
وتقدم عند قوله تعالى: {فتيمموا صعيدًا طيبًا} [المائدة: 6].
وفسروه هنا بذلك فيكون ذكره هنا توطئة لإجراء الصفة عليه وهي {زلقًا}.
وفي اللسان عن الليث يقال للحَديقة، إذا خربت وذهب شجراؤها: قد صارت صعيدًا، أي أرضًا مستوية لا شجر فيها اهـ.
وهذا إذا صح أحسن هنا، ويكون وصفه ب {زلقًا} مبالغة في انعدام النفع به بالمرة.
لكني أظن أن الليث ابتكر هذا المعنى من هذه الآية وهو تفسير معنى الكلام وليس تبيينًا لمدلول لفظ صعيد.
ونظيره قوله: {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدًا جرزًا} [الكهف: 8] في أول هذه السورة.
والزلق: مصدر زلقت الرجل، إذا اضطربت وزلت على الأرض فلم تستقر.
ووصف الأرض بذلك مبالغة، أي ذات زلق، أي هي مزْلِقَة.
والغَور: مصدر غار الماء، إذا ساخ الماء في الأرض.
ووصفه بالمصدر للمبالغة، ولذلك فرع عليه {فلن تستطيع له طلبًا}.
وجاء بحرف توكيد النفي زيادة في التحقيق لهذا الرجاء الصادر مصدر الدعاء. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)}.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ذلك الرجل المؤمن المضورب مثلًا للمؤمنين، الذيت تتكبر عليهم أولو المال والجاه من الكفار، قال لصاحبه الآخر الكافر المضروب مثلًا لذوي المال والجاه من الكفار، منكرًا عليه كفره- أكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم سواك رجلًا، لأن خلقه إياه من تراب ثم من نطفة، ثم تسويته إياه رجلًا، كل ذلك يقتضي إيمانه بخالقه الذي أبرزه من العدم إلى الوجود. وهذا المعنى المبين هنا بينه في مواضع أخر، كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28]، وقوله تعالى: {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22] وقوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأقدمون فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ العالمين الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ والذي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 75-81] الآية، وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26-27] إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا كثيرًا من الآيات الدالة على أن ضابط من يستحق العبادة وحده دون غيره- أن يكون هو الذي يخلق المخلوقات، ويظهرها من العدم إلى الوجود بما أغنى عن إعادته هنا.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} معنى خلقه من تراب، أي خلق آدم الذي هو أصله من التراب، كما قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59] الآية. ونظير الآية التي نحن بصددها قوله تعالى: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [الحج: 5] الآية.
وقوله: {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي بعد أن خلق آدم من التراب، وخلق حواء من ضلعه، وجعلها زوجًا له- كانت طريق إيجاد الإنسان بالتناسل. فبعد طور التراب طور النطفة، ثم طور العلقة إلى آخر أطواره المذكورة في قوله: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14]، وقوله تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} [الزمر: 6] وقد أوضحها تعالى إيضاحًا تامًا في قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَامًا فَكَسَوْنَا العظام لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 12-14].
ومما يبين خلق الإنسان من تراب، ثم من نطفة، قوله تعالى في السجدة: {ذلك عَالِمُ الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 7-9]. وقوله في هذه الآية: {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} كقوله: {خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} [النحل: 4]، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ} [يس: 77] أي بعد أن كان نطفة سار إنسانًا خصيمًا شديد الخصومة في توحيد ربه. قوله: {سواك} أي خلقك مستوي الأجزاء، معتدل القامة والخلق، صحيح الأعضاء في أكمل صورة، وأحسن تقويم. كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، وقوله: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64]، وقوله: {يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ في أي صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8]، وقوله: {رجلًا} أي ذكرًا بالغالً مبلغ الرجال، وربما قالت العرب للمرأة: رجلة، ومنه قول الشاعر:
ككل جار مغتبطًا ** جيران بني جبلة

مزقوا ثوب فتاتهم ** لم يراعوا حرمة الرجلة

وانتصاب {رجلًا} على الحال. وقيل مفعول ثان لسوى على تضمينه معنى جعلك أو صيرك رجلًا. وقيل: هو تمييز. وليس بظاهر عندي، والظاهر أن الإنكار المدلول عليه بهمزة الإنكار في قوله: {أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} مضمن معنى الاستبعاد، لأنه يستبعد جدًا كفر المخلوق بخالقه، الذي أبرزه من العدم إلى الوجود، ويستبعد إنكار البعث ممن علم الله أن الله خلقه من تراب، ثم من نطفة، ثم سواه رجلًا. كقوله: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [الحج: 5] الآية. ونظير الآية في الدلالة على الاستبعاد لوجود موجبة قول الشاعر:
ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة ** يرى غمرات الموت ثم يزورها

لأن من عاين غمرات الموت يستبعد منه اقتحامها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَّكِنَّ هُوَ الله رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} بين فيه أن هذا الرجل المؤمن قال لصاحبه الكافر: أنت كافر! لكن لست بكافر! بل مخلص عبادتي لربي الذي خلقني. أي لأنه هو الذي يستحق مني أن أعبده، لأن المخلوق محتاج مثلي إلى خالق يخلقه، تلزمه عبادة خالقه كما تلزمني. ونظير قول هذا المؤمن ما قدمنا عن الرجل المؤمن المذكور في يس في قوله تعالى: {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي} [يس: 22] أي ابدعني وخلقني وإليه ترجعون. وما قدمنا عن إبراهيم في قوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ العالمين الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 77-78] الآية، وقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26-27] الآية.